منتديات عراق المســــــــتقبل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اجمل المنتديات العراقيه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دع الكلمات ترسم انجماً... وطنا من صهيل وكبرياء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عذاب الحب

عذاب الحب


انثى عدد الرسائل : 92
العمر : 33
الموقع : بغداد
العمل/الترفيه : طالبة
المزاج : حسب الحالة
تاريخ التسجيل : 02/01/2008

دع الكلمات ترسم انجماً... وطنا من صهيل وكبرياء Empty
مُساهمةموضوع: دع الكلمات ترسم انجماً... وطنا من صهيل وكبرياء   دع الكلمات ترسم انجماً... وطنا من صهيل وكبرياء I_icon_minitimeالإثنين فبراير 18, 2008 3:55 pm

جرحُك المنفيُ لا عودة فيه ..
دمكُ القاني لا حياة فيه ..
وسفرُك الأبدي لا عودة فيه ..
قبضةُ العشبِ الأخيرةْ وأخرُ غمامةٍ طرزها الشفقُ الأخير.
أخرُ رحلةٍ بين الكلماتِ وفنجانُ القهوةِ الأخير…
ظلالُ البيوتِ ترمي بنفسها إلى الطرقاتِ وأنت تهيئ حقائبَ السفر. لماذا هذا السفرُ الأليم؟ أ مقدورُك أن تبقى مشرداً بين الحواجزِ والحدود؟ بين الأماني والحواري؟ كفَّ يا بنيَّ عن هذا الرحيل، فماذا ستجني من رحيلِك ألفَ عام؟
كانتِ الليلةُ الأخيرة: الجميعُ يضحكونَ ويتسامرونَ إلا هي، منزويةً في ركنِها الحزينِ والدموعُ ملءَ مآقيها وأنا مبحرٌ إلى حدودِ اللا نهاية. السفرُ والوداعُ من جديد, تأشيرةُ دخولٍ وطائرةٌ أخرى ورحلةٌ إلى البعيد. "كفَّ يا بني عن هذا السفرِ فماذا ستجني من رحيلِك ألفَ عام؟" .
*2*
في الطريقِ الطويلِ إلى المطارِِ كانت الشوارعُ مزدحمةً وسطَ المدينة, إشاراتُ المرورِ, دارُ السينما, ضجيجُ السياراتِ، صراخُ الباعةِ وروادِ المقاهي والمطاعم .. والشمسُ في كبدِ السماء. الوقتُ يمرُ بطيئاً, صورتُها لا تزالُ ماثلةً أمامَ عينيّ تبكي وتدعو السماءَ لتحرسني ولتُنهيَّ سفري الذي لا ينتهي وقلبُها الكبيرُ ينبضُ بالحسرة والألم.
نسيرُ, نخترقُ شوارعَ المدينة, انه الإحساسُ الذي لا ينتهي بأنني قد أعودُ مرةً أخرى، فأخذت اشبعُ ناظري من هذه المدينةِ الحبيبة. في الطريقِ المرِ إلى المطار، كان الهدوءُ قاتل وليس إلا أغانٍ حزينةٍ عن الرحيلِ والسفرِ والمودعون أصدقائي ورفاقُ عمري الأول. كلُهم ينظرُ إلي ويحسدُني كيف أبحرُ في الزمانِ ألف عام؟؟؟
في المطارِ جلستُ أحصي الدقائقَ الأخيرة. اذكرُ الزقاقَ القديمَ, فرحةَ الطفولةِ والبيوتَ الواسعةَ العتيقةَ ودفءَ الحنانِ في حيّنا الشعبي. بين لحظةٍ وأخرى يُخيَّلُ إلي انهم يدعونَ المسافرينَ إلى القاعةِ الأخيرة، فتنهمرُ الدموعُ رغماً عني. ومن بين الدموعِ ُيخيلُ إلي وجهُها الحزينُ وارتجافُ الشفتين في الدعاءِ الأخير.
*3*
بدأت المرحلةُ الأخيرةُ من إجراءاتِ السفر. بدأ العدُ التنازلي. استعدت الطائرةُ على مدرجِ الإقلاع: "الرجاءُ الامتناعُ عن التدخيِن وربطُ الأحزمة" ازدادَ خفقانُ قلبي وما هي إلا لحظاتٍ حتى يبدأُ سباقٌ جديد: خمسة, أربعة, ثلاث, اثنان, واحد. وانطلقتْ دواليبُ الطائرة. بدأتْ الرحلة. بدايةُ الرحلة؟ رحلةُ البداية؟ أم أنها رحلةُ النهاية؟ نهايةُ البداية أم نهايةُ النهاية؟؟؟؟؟ شعرتُ بقلبي وقد قفزَ من سجنِه الحزينِ وعادَ مع سلمِ الطائرة. رويداً رويداً غابت عنا آخرُ عنابرِ المطارِ واختلطت معالمُ الأرضِ ولم يبقَ سوى السماءُ وبضعُ غيماتٍ ما لبثتْ أن هربتْ مخلفةً ورائَها زرقةَ غيرَ متناهية وما هي إلا ساعاتٍ قليلة حتى يفقدُ المرءُ كلَّ شيء, كلَّ شيء ولا يبقَ إلا الذكرى والحنين.

*4*
أحبُكِ. احبُكِ رُغمَ ظلمِك الجائر, رُغم طرديْ وإجباريْ على الرحيل. اختلستِ حريتي وقتلتني حتى الصميم، إلا أنني احبُكِ. أ أقولُ وداعاً؟ أ أقولُ باعت البصرى زنجَها وأجرتْ يثرب قرآنَها ليهودِ خيبر؟ أم أن النيلَ ضلَّ طريقَه ويصبُ جنوبَ البحرِ الأحمر؟؟ أ أقولُ رحلةً جديدةً أم المنفى من جديد؟ رُغمَ هذا ورُغمَ ذاك, تبقى بأحضانِك ذكرياتُ الطفولة وتبقى في افيائِك الحبيبةُ الأولى وتبقين المسافةُ الفاصلة ما بين الفضيلةِ والسماءِ وتبقين دوما ما بقيتُ يا مدينتي.
ما بين المنفى والوطن رحلةٌ قصيرة. بين الوطنِ والمنفى جراحٌ ألامٌ وغربةٌ. الوطنُ قلعةٌ سندسيةٌ خضراءَ، أبراجُها المتلألئةُ في ضوءِ الشمسِ تبهرُ الناظرين. تجاورُ النهرَ والبحيرةَ, مأسورةٌ خلفَ حرابِ الحراسِ وخلفَ الأسوارِ الحديدية، لكنها شامخةٌ رُغمَ أنوفِ العسكرِ ورُغمَ ركلاتِ أحذيتِهم وقعقعةِ السلاح.
الوطن؟ أولُ بسمةُ حبٍ من عذراءِ عاشقةْ واحمرارُ الخدين خجلاً من قطافِ القبلةِ الأولى. الوطنُ رحلةُ الشمسِ في شعرها الأسودِ الطويلِ وبريقُ عينيها في ضوءِ القمر. والوطن .. أخرُ دمعةٍ نزفتها أمي يومَ الرحيلِ إلى المنفى.
والمنفى؟ المنفى قاربٌ بلا شراع, رحلةُ عذابٍ وألم. جزيرةٌ موحشةٌ وبسمةٌ لا صدى لها، تضيعُ في وادٍ عميق. المنفى أغاني الذكرى والبحثُ عم مجذاف لقاربٍ يغرق. والمنفى جرحٌ لاينتهِ وضبابٌ أرى من خلالِه وجهَ أمي وكعكَ العيدِ الكبيرِ وترددَ نداءِ المصلينَ "الله أكبر كبيرا".
وأمي؟ دمعتي الأبدية، قلبٌ نابضٌ بالحب, بسمةُ أملٍ وشفةٌ ترتجفُ بالدعاءِ في الوداعِ الأخير. أمي قبلةٌ ونحيبٌ ثم أنفاسٌ تعلو وتهبطَ لتهبني الحياةَ والأملَ الوحيد. أمي لقاءُ الربيعِ بشقائقِ النعمانِ وهمسةٌ حلوةٌ عندَ كلِ صباح. أمي دفءُ الحنانِ وفنجانُ القهوةِ الصباحيةِ والأمان.
اشتاقُ إليك يا أمي والى قبلةِ الصباحِ. اشتاقُ إلى دعائِك الأبدي والى كعكِ العيدِ وضوءِ الشموع.
والحبيبة؟ سوادُ الليلِ يمتدُ في شعرِها. عيناها امتدادُ الشواطئ في نفسي والحاجبان سيفان يذودان عن البراري وقلبُها مهجعُ روحي وملجئي الأخير. حبيبتي مسكنُ راحتي الأبدية نصفيَّ المضيءُ في العتم منارةُ الميناءِ وشراعُ السفينةِ الاخير.
*5*
"ماذا ستجني من رحيلِك ألفَ عام؟؟" أنتَ محلقٌ فوقَ البحرِ وليس إلا السماءِ وزرقةِ الماءِ ورحيلِك المنفي في ألفِ عام. كلُ السفنِ ابتعدت عن مدى الرؤية. كل الصواري غابتْ بعيداً عن ارتحالك .. وليس حتى خليجاً لترمي به همومَك، فقاوم! هي خطوة. قاوم! فقد تصلُ خطَ النهاية. قاوم! هي قفزةٌ بعيدةٌ في الارتحالِ يدعونها المنفى, خطوةٌ ما بعدها ارتحال.
"هوّن عليك يا ولدي! هوّن عليك, هي ساعة وترتاحُ من عناءِ السفر".
آه يا جدتي العجوز, تسافرين لتلتقي الأحبةَ وتعودين في رحلةٍ جديدةٍ إلى الوطن. هي ساعة. وأنا المسافر بجانبك لا يتعبني عذابُ السفر.. فأنا المنفي ارتحلُ كلَ يوم.. وكلَ يومٍ أرى وجهَ أمي تسألُني: "ماذا ستجني من رحيلك ألف عام؟".
اهبطُ في المطارِ. لا أحدُ ينتظرني ولا أحدٌ في استقبالي ولا حتى صحبةَ الشباب. احملُ حقائبي المليئةَ بالحزنِ والألمِ والحنين. أسيرُ باتجاهِ بوابةِ المدينة. غادرَ كلُ الوافدين. غادرَ أبناءُ لغتي. فبدأت الغربة من جديد وفتح المنفى أبوابَهُ ليبتلعني. استقل السيارة فتسير بي عبرَ الشارعِ الطويل. نصلُ ضجيجَ المدينة وننعطفُ فوقَ الجسرِ القديمِ فتَلُوحُ القلعةُ السندسيةُ الشامخةُ مرةً أخرى وحولها الزوارُ من شتى الأمم. نسيرُ بجانبِ الساحةِ القديمةِ حيثُ تجلسُ تلكَ الساعةُ الخالدة تُحصي ما تبقّى لنا من الزمن. ندخلُ في الأزقةِ القديمة، تتشعبُ الطريقُ في شراييني لتوصلني بيتَ صديقتي العجوز التي تطلُ مرحبةً كعادتِها وتقول :"أراكَ عُدتَ من جديد!" فتنهمرُ الدموعُ من عينيّ رغماً عني واسمعُ من خلالِها نداءَ المصلين عندَ الفجرِ, وارى وجهَ أمي تدعو السماءَ وتسألُني :"ماذا ستجني من رحيلِك ألفَ عام؟؟؟؟"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دع الكلمات ترسم انجماً... وطنا من صهيل وكبرياء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عراق المســــــــتقبل :: المنتديات الادبية :: منتدى الخواطر والشعر الفصيح-
انتقل الى: